الاثنين، 7 أبريل 2008

لوعة الغريب البغدادي ليلة دخول المغول

لوعة الغريب البغدادي ليلة دخول المغول ـــ الطاهر الهمامي- تونس


(1)‏

ما الذي جدَّ في آخر الليل...؟‏

هذي المتاريسُ... هذي الخنادقُ‏

هذي البنادقُ، هذي البيارقُ‏

أين "طِوَالُ النّجادِ" سِرَاعُ الجيادِ‏

وقبضاتهم في السّماء‏

وأرواحهُم فوق رَاحَاتِهم؟‏

...‏

(2)‏

ما الذي جدَّ...؟‏

هذي المَرَابِطُ... أين المُرابطُ؟‏

هذي الأعِنّةُ،‏

هذي القَنَا‏

أين منصورُها؟‏

أين هارونُهَا؟‏

أين مأمونُها؟‏

أين "مُعْتصَماه"؟‏

(3)‏

ما الذي جدّ في آخر الليل...‏

يا "أمَّ قَصرْ"‏

ويا بَصْرتاه‏

ما الذي جدّ في غَبَشِ الفَجر‏

لم نَرَ إلاَّ عُلُوجاً‏

على ظهر دبّابتيْن‏

إلى قلب بغدادَ، لا حَسنٌ رَدَّهُمْ‏

لا حُسَيْن‏

ولا انهارَ جسرْ‏

ولا اشتعل الماءُ في الرافدين‏

ولا ارتجّت الأرض‏

أو قِيل: كَيْفَ وأين؟‏

(4)‏

ما الذي جدَّ...؟‏

كانت أصابعُ فوق الزّناد‏

وكانت قِلاَع‏

وأفئدةٌ شدَّ أنْباضَهَا الالتياع‏

وكانت سَكاكينُ تُشْحَذُ في كُلّ بيت‏

وبالنّابِ والظّفْر‏

بغداد كانت تُعِدُّ‏

لِرَدْع السِّباع‏

(5)‏

ما الذي جدّ يا أيّها البابليّ‏

هل أراك نسيتَ عليّ‏

وصَيْد "الأبَتْشي"؟‏

عليّ الذي‏

لم يَصِدْ يومَهَا أرنباً أو حَجَلْ‏

صادَ طيّارةً للغزاةِ بحجم الجَبَل‏

ما الذي جدّ يا أيّها البابليّ‏

جَرْعةً علَّ هذا الكَمَدْ‏

ينجلي‏

جرعةً إنّ هذا الكَبدْ‏

يصْطلي‏

(6)‏

ما الذي جدّ.. حَجَّاجَها؟‏

إن تَكُنْ خُدْعةٌ، كيف مرّ الخداع؟‏

وهل في حِمى الرافدين ضِباع؟‏

أو يكن خائنٌ‏

كيف أمكن للأفْعُوان؟‏

أو تكن غَدْرةٌ‏

كيف أمكن للغدر؟‏

كيف اعتلى وانطلى؟‏

كيف باض‏

وأمكنه الطيران؟‏

وهل في الورى‏

من يخونُ الثّرى؟‏

وهل في العَرَبْ‏

من يبيع التراب‏

ولو بالذهب؟‏

وهلْ في العراق العريق‏

من يهون عليه الفُرَات‏

ولو بالعقيق؟‏

(7)‏

رأيْنَا... ولم نَرَ كالأمْركان‏

وكنّا نُفتّشُ فيهم عسى نلتقي رَجُلاً لا "حِصان"‏

رأينا... ولم نَرَ كالإنقليز‏

وكنا نفتّش فيهم عسى نلتقي بشراً لا معيز‏

تَرَاقَصُ للحرب، ترفع أذنابها‏

للأزيزْ‏

وتَنْزُو على منظر الدّم‏

والوالغين‏

(8)‏

عَلاَمَ أَتَوْنَا‏

وألقوا بترسانة الموت حيثُ عَلَوْنَا‏

وحيث غَلَوْنَا‏

عَلاَمَ أَتَوْا... يا شذى نفطنا‏

يا لَعِين‏

(9)‏

علام أتوا‏

من دعاهُم لكي يخلعوا، يَعْزِلُوا‏

من رجاهم: ألا قنبِلُوا قَتّلُوا‏

لِيَكُنْ رَبُّنَا ظالماً‏

ما الذي حيّر الظالمين؟‏

لِيَكُنْ رَبُّنَا قاتلاً‏

ما الذي أقلق القاتلين؟‏

أو يكن دمنا سائلاً‏

دمُنا لا يُبَاع‏

ومتَى كانَ عِزّ يُعَادُ على نفقة الغاصبين؟‏

ومتى كان حُرّ يعود على ظهر دبّابة المعتدين؟‏

ومتى كان عبد يُحرَّر بالرّدم‏

يا عالمين؟!‏

(10)‏

مِنْ ثقوب العروبة جاؤوا‏

وبعضُ الأعاريب أهداهم الوردَ‏

والقائمات‏

و "حُمْرَ الحُلَى والمطايا"‏

أجَلْ! مِن جُيوبِ العروبة مالُوا...‏

وفي ظلّ يعرُب قَالُوا‏

أجَلْ! مِن ثغور العروبة... مَنْ للثغور!‏

أيا سيف دولتنا‏

من ثقُوب العروبة جاؤوا‏

وأولاد عنترَ هُمِ من أوَاهم‏

وهُمْ من سقَاهُم‏

وهم من وقاهم‏

وأقطعهم أرض عبْسٍ...‏

أجل من ثقوب أبي جعفر دخلوا‏

سقف بيت أبي جعفر من قَصَبْ‏

ركن بيت الخليفة قشّ‏

(11)‏

عَدَوْنا على عدوة النهر‏

"بين الرصافة والجسر"‏

كانت "عيون المها" ها هنا‏

وهي في الجبهة الآن‏

تسقِي المَغُول‏

وقفنا على بيت حكمتنا وعلى بيت حكمتنا عَدَتِ العاديات‏

رمته إلى النار والنهر‏

مدّتْ جسوراً بأسفاره لعُبور الخُيول‏

وقفنا على العامرية‏

تلونَا على مسمع الدهر: تبّت يدّا "المدنية"‏

وما أطيب العيش عيش الفلاة‏

وبين وحوش البرية‏

أيا بيت حكمتنا!‏

ووقفنا على النار تأكل "ذكرى حبيب"‏

و "معجز أَحْمَدْ"‏

وتلهو بساعة هارون، تعدو على‏

وتَر الموصلي‏

ونادت نوادب "دار السلام"‏

بكى صاحبي.. حين لمْ يلْقَ صوتاً‏

وأيقن أن يداً وحْدَها لا تُصَفّي‏

وأنّ فماً مُلْجَمَاً لا يجيب‏

بكينا على وطنٍ عربي‏

كان أمّي‏

ولكن أبيّ‏

(12)‏

قُلْ لتُبّعها الباطشين‏

تدور عليكم‏

رويداً... رويداً‏

ألاَ قل لتُبّعها الطائشين‏

تمادَوْا... تمادوا‏

فأمّ السبّاع‏

تدور على ذيلها‏

وعلى العالمين!

ليست هناك تعليقات: