الأربعاء، 16 أبريل 2008

خطاب الجلوس

خطاب الجلوس

سأختار شعبي
سأختار أفراد شعبي
سأختاركم واحدا واحدا من سلالة
أمي ومن مذهبي,
سأختاركم كي تكونوا جديرين بي
إذن أوقفوا الآن تصفيقكم كي تكونوا
جديرين بي وبحبي
سأختار شعبي سياجا لمملكتي ورصيفا لدربي
قفوا أيها الناس, يا أيها المنتقون
كما تنتقى اللؤلؤة
لكل فتى إمرأة
وللزوج طفلان: في البدء يأتي الصبي
وتأتي الصبية من بعد, لا ثالث,
وليعم الغرام على سنتي
فأحبوا النساء, ولا تضربوهن إن مسهن
الحرام
سلام عليكم.. سلام .. سلام

سأختار من يستحق المرور أمام
مدائح فكري
ومن يستحق المرور أمام حدائق قصري
قفوا أيها الناس حولي خاتم
لنصلح سيرة حواء.. نصلح أحفاد آدم
سأختار شعبا محبا وصلبا وعذبا..
سأختار أصلحكم للبقاء
وأنجحكم في الدعاء لطول جلوسي فتيا
لما فات من دول مزقتها الزوابع!


لقد ضقت ذرعا بأمية الناس
يا شعب, يا شعبي الحر فاحرس هوائي
من الفقراء..
وسرب الذباب وغيم الغبار
ونظف دروب المدائن من كل حاف
وعار وجائع
فتبا لهذا الفساد وتبا لبؤس العباد الكسالى
سأختار شعبا من الأذكياء .. الودودين والناجحين
وتبا لوحل الشوارع
سأختاركم وفق دستور قلبي:
فمن كان منكم بلا علة.. فهو حارس كلبي
ومن كان منكم طبيبا.. أعينه
سائسا لحصاني الجديد
ومن كان منكم أديبا.. أعينه حاملا لاتجاه النشيد
ومن كان منكم حكيما.. أعينه مستشارا لصك النقود
ومن كان منكم وسيما .. أعينه حاجبا للفضائح
ومن كان منكم قويا أعينه نائبا للمدائح
ومن كان منكم بلا ذهب أو مواهب فلينصرف
ومن كان منكم بلا ضجر ولآلئ
فلينصرف
فلا وقت عندي للكدح والقمح
ولأعترف
أمامك يا أيها الشعب.. يا شعبي
المنتقى بيدي
بأني أنا الحاكم العادل
كرهت جميع الطغاة ..
لأن الطغاة يسوسون شعبا من الجهلة
ومن أجل أن ينهض العدل فوق الذكاء المعاصر
لا بد من برلمان جديد ومن أسئلة
من الشعب يا شعب.. هل كل كائن يسمى مواطن ؟
ترى هل يليق بمن هو مثلي قيادة لص وأعمى وجاهل؟
وهل تقبلون لسيدكم أن يساوي ما بينكم
أيها النبلاء
وبين الرعاع .. اليتامى .. الأرامل؟
وهل يتساوى هنا الفيلسوف مع المتسول؟
هل يذهبان الى الاقتراع معا
كي يقود العوام سياسة هذا الوطن؟
وهل أغلبيتكم أيها الشعب , هم عدد لا لزوم له
إن أردتم نظاما جديدا لمنع الفتن؟
إذن
سأختار أفراد شعبي, سأختاركم واحدا واحدا
كي تكونوا جديرين بي.. وأكون جديرا بكم..
سأمنحكم حق أن تخدموني
وأن ترفعوا صوري فوق جدرانكم
وأن تشكروني لأني رضيت بكم أمة لي ..
سامنحكم حق أن تتملّوا ملامح وجهي في كل عام جديد
سأمنحكم كل حق تريدون, حق البكاء على
موت قط شريد
وحق الكلام عن السيرة النبوية
في كل عيد
وحق الذهاب الى البحر في كل يوم تريدون
لكم أن تناموا كما تشتهون
على أي جنب تريدون.. ناموا
لكم حق أن تحلموا برضاي وعطفي.. فلا تفزعوا من أحد
سأمنحكم حقكم في الهواء.. وحقكم في الضياء
وحقكم في الغناء
سأبني لكم جنة فوق أرضي
كلوا ما تشاؤون من طيباتي
ولا تسمعوا ما يقول ملوك الطوائف عني
وإني أحذركم من عذاب الحسد!
ولا تدخلوا في السياسة إلا إذا صدر الأمر عني
لأن السياسة سجني
هنا الحكم شورى, هنا الحكم شورى
أنا حاكم منتَخب
وأنتم جماهير منتخِبة
ومن واجب الشعب أن يلحس العتبة
وأن يتحرى الحقيقة ممن دعاه إليه
اصطفاه, حماه من الأغلبية
والأغلبية متعبة, متعبة
ومن واجب الشعب أن يتبرأ من كل فرد نهب
وغازل زوجة صاحبه أو زنى أو غضب
ومن واجب الشعب أن يرفع الأمر
للحاكم المنتخب
ومن واجبي أن أوافق, من واجبي
ان أعارض
فالأمر أمري والعدل عدلي, والحق ملك يدي,
فإما إقالته من رضاي
وإما إحالته للسراي
فحق الغضب
وحق الرضى, لي أنا الحاكم المنتخب!

وحق الهوى والطرب
لكم كلكم فأنتم جماهير منتخِبة!
أنا الحاكم الحر والعادل
وأنتم جماهيري الحرة العادلة
سننشئ منذ انتخابي دولتنا الفاضلة
ولا سجن بعد انتخابي, ولا شعرب عن تعب القافلة
سألغي نظام العقوبات من دولتي
من أراد التأفف خارج شعبي فليتأفف
سنأذن للغاضبين بأن يستقيلوا من الشعب
فالشعب حر
ومن ليس مني ومن دولتي فهو حر
سأختار أفراد شعبي
سأختاركم واحدا واحدا مرة كل خمس
سنين
وأنتم تزكونني مرة كل عشرين
عاما إذا لزم الأمر
أو مرة للأبد
وإن لم تريدوا بقائي, لا سمح الله,
إن شئتمُ أن يزول البلد
أعدت إلى الشعب ما هب ودب من سابق الشعب
كي أملك الأكثرية, والأكثرية فوضى
أترضى, أخي الشعب!
ترضى بهذا المصير الحقير, اترضى؟
معاذك!
قد اخترت شعبي واختارني الآن شعبي..
فسيروا إلى خدمتي آمنين
أذنت لكم أن تخرّوا على قدمي ساجدين
فطوبى لكم, ثم طوبى لنا .. أجمعين

محمود درويش 1986

ليست هناك تعليقات: